کد مطلب:195898 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:213

الصادق والطب الروحی
كما أن الأجسام تمرض فتفقد صحتها إلی العلاج بما یعدل إنحرافها ویعید إلیها الصحة المفقودة. كذلك الأرواح والنفوس، فإنها تمرض بانحرافها إلی الرذائل والصفات الذمیمة،فتحتاج عند ذلك إلی العلاج بما یقوم أودها لیرجعها سیرتها الاولی من صحة الاتصاف بالأخلاق الفاضلة والصفات الحمیدة

وبعبارة أوضح أن الأرواح والنفوس إذا تغلبت علیها الرذائل من الصفات وتسیطر علیها الشهوات الحیوانیة والعواطف الدنیئة إنحرفت صحتها وفقدت رونقها الروحی ومیزتها النفسیة التی بها إمتازت عن الجسمیة الكثیفة، وعدمت شفافیتها ولطافتها التی كانت علیها حال صحتها یوم كانت سلیمة.

ولقد عالج الفلاسفة تلك الأدواء النفسیة والاسقام الروحیة بأنواع العلاجات منذ العصور الغابرة حتی الیوم، ووضع علماء النفس وأساتذة التربیة أحكم القوانین وأتقن النظم والقواعد لاصلاحها فلم یفلحوا، إذ لم یجدوا لها



[ صفحه 80]



علاجاً حاسماً ولم یعثروا علی دواء ناجع سوی الدین السماوی الذی هبط علی الانبیاء والرسل لیرفع هذه الأنسانیة من حضیض الرذائل والجهل الی مرتفع الفضائل والعرفان والذی جاء لاسعاد هذا الخلق كیما یعیشوا بسلام وهناء، ولینبلج فی الأرض صبح الرشاد، فتزهو مخضرة الجوانب بریاض النعیم مادام الناس یعملون بقوانینه ویتبعون سبل تعالیمه وإرشاداته. فما من طبیب أدری بأدواء النفوس من باریء النفوس ولا حكیم أخبر بأسقام الأرواح كالدین المرسل من الحكیم، ولا عالم أعرف بطرق علاجها وأسباب شفائها كالشارع المقدس.

إذن فللدین أثره الفعال فی تطبیبها، وإن له لمعاجز باهرة فی إصلاحها تفوق معاجز الطب الفنیة فی مداواة الأجسام.

فما أشبه الدین بالسحر، لولا أن الدین خیر كله والسحر شر كله، وما أشبه مبلغیه ینطس الاطباء الذین عرفوا الداء والدواء فأرجعوا الأمزجة المنحرفة إلی صحتها وإعتدالها، لولا أن الأطباء قد یخطئون والأنبیاء لا یخطئون.

وقد جاء الدین الاسلامی الحنیف بالأخلاق الفاضلة حفظاً لصحة النفوس البشریة وأمر متبعیه بالعمل علیها وقایة لأرواحهم من شرورها. كما أن النبوة الكبری قد تكلفت بصلاح البشر وإصلاحه من ناحیتی الروح والجسد فكانت فیها حیاته وسعادته وتقدمه ورقیه فی عالمی الدنیا والآخرة.

قال تعالی: إستجیبوا لله وللرسول إذا دعاكم لیحییكم.

وقال جل جلاله: من عمل صالحاً من ذكر أو أنثی وهو مؤمن فلنحیینه حیاة طیبة.

وقال تعالی: قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما فی الصدور.

وقال تعالی: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنین.

هذا وقد بعث النبی الأمین صلی الله علیه وآله وهو ینادی: إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق. فعاش طیلة حیاته (ص) الشریفة وهو یبذر تعالیمه الحكیمة ویغرس



[ صفحه 81]



مكارم الاخلاق الاسلامیة الفاضلة فی نفوس الأمة، وینیر لها الطریق إلی الحیاة السعیدة روحاً وجسماً حتی رفعه الله تعالی إلیه، فلم یهمل هذة الناس سدی بل خلف فیهم الثقلین: كتاب الله وعترته، فكان القرآن المجید كتاب الله الصامت والعترة النبویة كتابه الناطق الذی یوضح للناس ماخفی علیهم من تعالیمه الأصلاحیة ویرشدهم بتوضیحه إلی مالم یدركه سواهم من الكنوز القرآنیة الخفیة

فكانوا هم الأدلاء علی الخیر والهدی والمرشدین إلی طریق الحیاة الحقة، كما كانوا هم أطباء النفوس بكل ماتحتاج من العلاجات الروحیة والمداواة النفسیة لذلك تری كل إمام من أولئك العترة الطاهرة كان یعالج بعد النبی صلی الله علیه وآله وسلم أدواء أهل عصره بنوع من العلاج الروحی یوافق عقولهم ویلائم مداركهم، كطبیب یوصی مرضاه بكل عطف وحنان ورأفة حتی یوصلهم إلی ساحل الصحة والهناء.

ولما كان عصر الإمام أبی عبد الله جعفر بن محمد الصادق علیه السلام عصراً ملیئاً بالأهواء المتعاكسة والآراء المختلفة والأخلاق المتفاوتة والمذاهب المتشعبة عصراً تفسخت فیه الأخلاق الاسلامیة وتسممت فیه النفوس وانحرفت صحة الأرواح. كان الامام «ع» یری نفسه بطبیعة الحال وحسب وظیفته السماویة هو الطبیب المسؤول أمام الدین عن صحتها والمتكفل بعلاجها.

وكیف لا یری نفسه كذلك وهو كتاب الله الناطق الذی قال النبی (ص) فیه وفی آبائه وفی القرآن: إنی مخلف فیكم الثقلین كتاب الله وعترتی أهل بیتی ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدی أبداً.

نعم كان «ع» یری نفسه هو المسؤول الأول عن علاج هذه الامة ومداواة أمراضها الروحیة التی إنتابت نفوسها بطغیان الرذائل علی الفضائل فكان «ع» یطبها بأنواع من أقواله الحكیمة ومختلف إرشاداته القیمة وتعالیمه الشافیة، حسب مداركهم وشعورهم. شأن الفیلسوف المداری والطبیب المداوی.

وإلیك نموذجاً من طبه الروحی ومعالجته النفسیة التی أراد بها شفاء النفوس



[ صفحه 82]



من أسقامها الفتاكة بالفرد والمجتمع، مكتفین بالقلیل لعدم إتساع هذا الجزء لكل ما ورد عنه «ع» فی هذا الباب، فنقول: